Featuredالسفربوتسوانا

سفاري في بوتسوانا… تجربة مميّزة ستدهشك!

كانت أول رحلة سفاري أقوم بها على الإطلاق! شاهد مرشدي إيليشوس فهداً في «دلتا أوكافانغو» (أحد مواقع التراث العالمي على لائحة اليونسكو) في بوتسوانا، ذلك البلد غير الساحلي من جنوب إفريقيا. يُعتبر هذا المكان أحد أكبر مثلثات الدلتا الداخلية في العالم ويشبه شكله اليد المفتوحة والمتصلة بأصابع رفيعة وطويلة من الماء الذي يغذي نظاماً بيئياً واسعاً ومتنوعاً. تنظّم شركة السفر الدولية الفخمة «أند بيوند» مخيمات ومراكز لرحلات السفاري في هذا المكان فضلاً عن 25 موقعاً آخر في أنحاء إفريقيا. اتّضح شعارها «نعتني بالأرض والحيوانات ونعتني بالناس» خلال رحلة السفاري التي شاركتُ فيها على مر ستة أيام في ثلاثة من أماكن الإقامة الفخمة التي تقدمها الشركة في «أوكافانغو». و«أند بيوند» معروفة بتدريب مرشديها ومستكشفيها. كان إيليشوس أول مرشد من أصل ستة آخرين سافرتُ معهم من حسن حظي.

وصلنا إلى قناة المياه للقيام برحلتنا القصيرة في المركب نحو مخيّم «زارانا« في دلتا أوكافانغو. حين اقتربنا من وجهتنا ومررنا بالقرب من مساحات مليئة بزنابق الماء وسمعنا على مسافة قريبة همهمات أفراس النهر، أبلغَنا الفريق الودود من باتسوانا بوصولنا إلى هذه الواحة المعزولة بعدما راح يرقص ويغني على رصيف الميناء.

قابلتُ رئيس الخدم ليسيدي الذي قادني نحو مسار دائري وأوصلني إلى جناحي (واحد من تسعة). كانت الغرف شاسعة ويسهل أن نشعر بأن هذا المكان يضمن خصوصية تامة للمقيمين فيه. لكننا ندرك في الوقت نفسه أن الحيوانات البرية تستطيع أن تجتاح هذا المخيم غير المحميّ في أية لحظة. كنت أحتاج إلى استجماع شجاعتي للخروج من الجناح والعودة إليه وساعدتني فلسفة ليسيدي («كل ما نريده يقع على الجهة الأخرى من الخوف«»)، لكني استفدتُ أيضاً من مرافقته لي في الصباح الباكر وخلال الأمسيات. كان الضيوف يتنقلون بهذه الطريقة مع مرافقيهم.

بعد رحلة السفاري المسائية وتناول العشاء في مخيّم «زارانا»، عدتُ إلى جناحي لأجد حوض استحمام مليء بالرغوة وفقاعات الصابون والروائح العطرية. في مخيّم «كودوم»، وجدتُ في أمسية أخرى شموعاً مُضاءة من الباب الأمامي إلى حوض الاستحمام.

وجبات شهية

كانت قدرة رؤساء الطهاة على تحضير وجبات ممتازة لهذه الدرجة مع أفضل أنواع المقادير في هذا المكان المقفر أشبه بسرّ خفيّ. كل يوم، كانت قائمة الطعام الخاصة بوجبات الغداء والعشاء تُكتَب على لوح ولطالما انبهرتُ بالخيارات المطروحة وكنت أتوق إلى معرفة محتوى القوائم اللاحقة.

كانت فترة الصباح تبدأ بقرع خفيف على بابي وصينية عليها شاي ساخن وبسكويت في الساعة الخامسة والنصف. بعد مرور نصف ساعة، يُقرَع الباب مجدداً فأخرج في الظلمة وأذهب لتناول الفطور المؤلف من عصيدة وفاكهة طازجة ولبن. يحتشد الضيوف الآخرون في غرفة الاجتماع لأخذ ما يحتاجون إليه من غذاء قبل رحلة السفاري التي تمتد على خمس ساعات.

رحلة

كانت الشمس تضيء المسارات وراح المرشدون والمستكشفون يبحثون عن إشارات واضحة للحياة البرية: بصمات قدم، وآثار الحشرات (لا تظهر العقارب إلا خلال الليل مثلاً)، واتجاه الرياح، ورائحة البول، ومخلفات البراز… تسمح هذه الإشارات كلها بتحديد فصائل الحيوانات المجاورة ومكانها. ثبتت أهمية هذه الخطوات حين صادفنا عريناً فيه ثمانية أشبال تنتظر عودة أهاليها. كانت التجربة غير مسبوقة!

في منتصف فترة الصباح، توقفنا لتناول وجبة خفيفة تحت شجرة. شمل المكان طاولة معدنية وغطاءً للمائدة وشاياً ساخناً وقهوة ومشروبات باردة وأوعية مليئة بالزنجبيل المُحلّى والجبنة والمقرمشات وحلويات متنوعة. لم تنضمّ إلينا أية حيوانات لحسن الحظ. حين عدنا إلى مكان إقامتنا، استمتعنا بمشاهدة مجموعة فِيَلة تتمرغ في الوحل وكانت الأم الحاكمة و«العمّات» تحمي الصغار بكل حنان. خلال قيلولة بعد الظهر في مخيّم «كودوم»، استيقظتُ من نومي على صوت حفيف على بُعد أمتار قليلة من سريري. قرر فيلان ضخمان أن يتناولا وجبة صغيرة مؤلفة من شجر السنط. أصبتُ بالذهول ورحتُ أشاهدهما وهما يتصارعان تزامناً مع إدخال ورق الشجر من خرطومهما إلى فمهما.

من المريع وغير المبرر أن يعمد البشر إلى ذبح الفِيلة وحيوانات وحيد القرن لأخذ أنيابها وقرونها. لا بد من الإشادة بحكومة بوتسوانا لأنها لا تتساهل مع هذه الأعمال المشينة وتمنع الصيد غير المشروع، ولا تسمح بتخصيص مواقع كي يقيم فيها الصيادون الأثرياء الذين يأتون لاستهداف فرائسهم من باب المتعة. تشتق نسبة كبيرة من عائدات بوتسوانا من قطاع السياحة وليس التعذيب.

لا بد من التكلم أيضاً عن أصغر الكائنات هناك. في وقت متأخر من فترة بعد الظهر، ركبتُ يوماً في قارب «موكورو» التقليدي بينما راح قائد القارب الآتي من البندقية يمر بالقرب من نبات البردي وأعشاب الصوف القطني على وقع صوت النسيم والعصافير. حاكت العناكب السوداء شبكات من الخيطان وراحت حشرات اليعسوب تتطاير فوق زنابق الماء. كنت آمل بأن أشاهد أذنيَ وعينَي فرس نهر فوق سطح الماء لكن لم يحالفني الحظ هذه المرة.

مخيم تقليدي
سافرتُ إلى «منزلي« الأخير في بوتسوانا. كان مخيّم «سانديب» التابع لشركة «أند بيوند» في «أوكافانغو» يقع في ظل غابة مليئة بأشجار النخيل البري والتين. ابتكر فريق التصميم هذه المرة نسخاً مطابقة من معظم الثدييات التي تُهرَّب حول العالم، من بينها حيوانات البنغول (تحمي القشور الغنية بالكيراتين تلك الحيوانات لدرجة أنّ أسنان الأسد لا تستطيع اختراقها حين تنغلق على شكل كرة مشدودة، لكن ذلك الكيراتين نفسه شبيه بالنعناع البري ويُستهلَك على نطاق واسع في الأعشاب الطبية في بعض البلدان الآسيوية).

تطفو أشجار القيقب والصنوبر المنتقاة من غابات كندية فوق الضيوف فيشعر هؤلاء بأنهم داخل الهيكل العظمي الخاص بحيوان البنغول. يتعلق الهدف الأساسي بمواكبة المشاريع المبهرة التي تقوم بها شركة «أند بيوند» لحماية حيوانات وحيد القرن المهددة بالانقراض ومشاركتها في بناء مدارس للأولاد.

كانت الأجنحة الاثنتا عشرة تشبه صغار البنغول المعلّقة على علو مرتفع فوق السهول الفيضية. رحّب بي موقع له طابع أكثر حداثة في ذلك المخيم التقليدي: أحواض غسيل نحاسية، موقد معدني لحرق الخشب، حمّام داخلي ضخم مصنوع من مادة تشبه الإسمنت، نوافذ من الأرض إلى السقف تطلّ على مشهد بانورامي. كان السرير معلّقاً فوق منصة خشبية مقابل شاشات تطلّ على باحات يتوسطها حوض سباحة دائري. كما في «زارانا» وكودوم»، كانت تجربة الأكل في هذا المكان مميزة فعلاً. استمتعتُ تحديداً بمنطقة المطبخ التفاعلية ووجبات العشاء بالقرب من المدفأة.

طال آخر يوم لي في مخيّم «سانديب» بسبب خلافات نشأت بين أعضاء مجموعة من قرود البابون، على مسافة قريبة من الأدراج المؤدية إلى غرفتي. كنت أعرف أنني لن أفوز في هذه المباراة، لذا تراجعتُ واستمتعت بالمشهد.

كان يصعب عليّ أن أغادر المكان بعدما أحببتُ رحلتي المميزة بكل سهولة. عرّفتني الرحلة إلى جمال هذه الأرض وتنوّع حيواناتها ومسؤولية الحفاظ عليها وعلى الطبيعة الجاذبة وروح بوتسوانا عموماً.

بقلم كارول آن ديفيدسون – الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى