Featuredالهند

بالصور .. “قصر الرياح” المذهل في الهند.. تحفة معمارية سابقة لعصرها

في عام 2015، قامت الهند بإطلاق خطة طموحة تحمل اسم المهمة الوطنية للمدن الذكية، بهدف جعل 100 مركز حضري أكثر قابلية للعيش والاستدامة من خلال حلول مبتكرة وشاملة.

وبين المدن الـ100 المختارة كانت جايبور، عاصمة راجستان الصحراوية الشمالية.

لكن في حين كانت فكرة مشروع المدينة الذكية تهدف إلى تحديث الهند، يقول المؤرخون إن إنجازات جايبور “الذكية” كانت متقدمة على عصرها لقرون.

المدينة، التي أصبحت مشهورة بمبانيها التاريخية الوردية، كانت أول “مدينة مخططة” للملك ساواي جاي سينغ، وهو عالم فلك استرشد بمواقع الكواكب كدليل عند اتخاذه قرارات بشأن توجيه مواقع بناء الهياكل. ونقل عاصمة مملكته من قرية أمر المجاورة إلى جايبور في عام 1727.

وفي السنوات التالية، استمر ملوك راجاستان بدعم الفن والهندسة المعمارية، ومنهم الملك ساواي براتاب سينغ.

كان بنّاءً لديه جانب فني، وفي جدران مدينة جايبور القديمة نقع على أمثلة عديدة عن حبه للفن، مع ذلك، لا يوجد أي مكان يعكس ذلك الشغف مثل “قصر الرياح”، الذي لا يتميز فقط من الناحية المعمارية بل يقدم دروسًا في البناء المستدام أيضا.

اكتمل بناؤه عام 1799، وهو الآن مدرج كموقع تراث عالمي لليونسكو، ويعد أشهر أيقونات الهند اليوم ومعلمًا سياحيًا بارزًا.

وتقول السلطات الهندية المسؤولة عن النصب التذكاري إن نحو مليون شخص يزوره كل عام.

ومرورًا بجدران المدينة الورديّة المتشعبة وصخب سوق المدينة القديمة، يعتبر “قصر الرياح” بناء مهيبًا، حيث ترتفع أشكاله الهرمية المتكررة خمسة طبقات.

بارتفاع مدهش يبلغ 87 قدمًا، ومزين بـ953 نافذة مفتوحة بتفاصيل مزخرفة، يمثل البناء متعة للنظر. ولكن القليلون يدركون أن ما تراه من الشارع في الأساس الجزء الخلفي من المبنى.

ويقول سانجاي شارما، الذي يرافق الزوار في جولاتهم داخل “قصر الرياح” منذ أكثر من عقدين:”إنه أمر غير مألوف أن يُعرف المبنى بواجهته الخلفية وليس الأمامية”.

يتعجب السياح لما يرونه على الطريق الرئيسي، ويحرصون على التقاط الصور أمامه ثم يستمرون في رحلتهم. قلّة يدخلونه؛ فالتصميم الداخلي بسيط، ويمكن للعقول الفضولية فهم أن هناك المزيد من الداخل أكثر مما تلتقطه العينين”.

وفقًا للدكتور ماهندرا خادجاوات، مدير المتحف الحكومي وإدارة الآثار في ولاية راجاستان، كان الملك ساواي جاي سينغ شديد التدين للإله الهندوسي كريشنا، وكلّف المهندس المعماري لال تشاند أوستا ببناء باحة على شكل تاج يشبه تاج كريشنا، وكان قصر الرياح نتيجة هذا العمل.

وأوضح خادجاوات أن “الغرض الأساسي من المبنى كان السماح للنساء النبيلات بالاستمتاع بمناظر الشارع اليومية ورؤية المواكب من دون أن يراهنّ أحد بسبب نظام بورده (الاحتجاب)”، مشيرًا إلى ممارسة اجتماعية بالهند في العصور الوسطى تتطلب من النساء، خاصة اللواتي من الطبقات العليا، أن يبقين بمنأى عن الأنظار.

إنجاز هندسي ذكي

وتقول المهندسة المعمارية كافيتا جاين، وهي خبيرة في مجال الحفاظ على التراث، إن قصر الرياح قد خدم أغراضًا إضافية أيضًا.

وتوضح أنه “بالنسبة لأهل المدينة، فإن الواجهة الخلفية للجهة الشرقية المواجهة للشارع تعد تجربة بصرية رائعة؛ أما بالنسبة للملك نفسه، فإنها تعد بنية أسطورية سيتذكرها أجيال من بعده؛ أما بالنسبة للنساء العاملات في القصر، فإنها تعد وسيلة للاتصال بالناس العاديين واحتفالاتهم من دون الظهور في الأماكن العامة”.

ولكن بالنسبة للعين الثاقبة، فإنه إنجاز هندسي ذكي، حيث استخدم عناصر جمالية تجذب النظر لإنشاء مناخ دقيق مريح بما فيه الكفاية للملكات للاستمتاع برحلاتهن”.

وفي الوقت الحاضر، يعد المبنى مثالًا بارزًا على الدور الذي لعبه المناخ في التصاميم التاريخية للهند، ويوفر دليلاً على فهم متقدم لقوانين علم الديناميكا الحرارية.

وتقول المهندسة المعمارية شيام ثاكر من جايبور: “تم توجيه المبنى على محور شرقي – غربي، متوافقًا مع اتجاه تدفق الرياح الطبيعي في هذه المنطقة”

وتشرح أن الرياح تدخل القصر من الغرب (عبر سلسلة من الأراضي المفتوحة). وتلتقط الرطوبة من مجرى المياه الموضوع بعناية في الفناء باستخدام مبدأ التيارات المتحركة، ويرتفع الهواء الساخن وينخفض الهواء البارد”

ولا ينتهي الأمر هنا، إذ تشير ثاكر إلى أن الرياح المحملة بالرطوبة تتحرك بعد ذلك نحو 953 نافذة وتبرد الهواء بفضل تأثير فينتوري – يتدفق الهواء عبر ممر مضيق، ما يزيد من سرعة الرياح مع انخفاض الضغط.

وتقوم الشبكات المعقدة الموجودة على النوافذ بتفتيت وتوزيع تدفق الهواء بالتساوي لضمان عدم وجود مناطق ساخنة؛ كما تسيطر على انعكاس الشمس المباشر، وفقًا لما ذكرته ثاكر.

واستخدام الجير ،”الشونا”، كمادة للشبكات يعد لمسة نهائية. ويمكن للـ”شونا” أن تنظم درجة الحرارة بشكل طبيعي.

ونظرًا للحاجة الملحة لمبانٍ أكثر استدامة وأكثر صديقة للبيئة، يبحث العديد من المهندسين المعماريين في الماضي للحصول على الإلهام.

وتقول ثاكر: “يمكننا أن نستفيد من درسين أو أكثر من العمارة التقليدية الهندية التي تطورت لتوفير بيئات مريحة من خلال استغلال قوى مثل أشعة الشمس والرياح”.

وتابعت:”كوني مهندسة معمارية واعية للمناخ، استخدمت المداخن المعمارية ذات الأعمدة مع مسطح مائي في مشروع مطعم في المدينة، ما خفض بشكل كبير مستوى استخدام التكييف في المبنى. وفي حالة أخرى، استخدمنا الجص المعالج بالحمض، إلى جانب الفناء والفتحات الصغيرة. وكانت النتيجة مبنى مذهل يحافظ بشكل طبيعي على البرودة.”

وفي حالة أخرى، استخدمت المهندسة المعمارية ديانا كيلوغ، ومقرها نيويورك، بشكل فعال “تأثير فينتوري” لإنشاء مشروع مدرسة حائز على جوائز في جيسالمير، راجاستان – مدرسة الفتيات راجكوماري راتنافاتي.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى