بوتسوانا

التكنولوجيا سيدة الثراء .. بوتسوانا اقتصاد متنوع ينقذ أجيال المستقبل

انتهى زمن اعتماد الشعوب والدول على ثرواتها الباطنية باعتبارها آيلة إلى الزوال كما في حالة بوتسوانا التي تعتمد على نفائس أرضها من الألماس، فقد آن الأوان للاعتماد على الاقتصاد المعرفي والاستثمار في البشر، وهو استثمار لا ينتهي بل يتطور مع الزمن والتكوين والدراسة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.

 

غابورون – في كل مرة حلقت فيها طائرة في سماء قرية كغموتسو في ريف بوتسوانا، كانت فاتسيما تتوقف وتنظر إلى الأعلى وتتعهد لنفسها بأنها ستطير عاليا ذات يوم.

وأوفت فاتسيما بوعدها وأكثر، حيث لم تصبح واحدة من أوائل الطيارات العسكريات في البلاد فحسب، بل إن المرأة البالغة من العمر 36 عاما أنشأت منظمة تدرب الآلاف من الفتيات الصغيرات على برامج الروبوتات والتشفير وريادة الأعمال.

وتحتفل خريجاتها بإنجازاتهن الرقمية من خلال رحلة واقعية تقودها القبطانة فاتسيما.

وقالت فاتسيما “نستخدم قوة الطيران لإشعال عواطف جديدة، ويمكننا أن نرى أن الأمور تتغير… ستأخذ التكنولوجيا بلدنا إلى المستوى التالي”.

تعد فاتسيما مجرد جزء واحد من حملة وطنية لتنويع اقتصاد بوتسوانا، والاستثمار في العلوم والتكنولوجيا وريادة الأعمال لتقليل الاعتماد على استخراج الماس.

وينصب تركيزها الرئيسي على الشابات بينما اختار رواد أعمال آخرون دعم مهارات أو قطاعات مختلفة، لكن جميعهم حريصون على إصلاح نظام بوتسوانا الاقتصادي، وزاد سعيهم بسبب الوباء.

وقالت فاتسيما، من مركز الابتكار في البلاد في العاصمة غابورون، إن “كوفيد كان بمثابة جرس إنذار لبوتسوانا لأن وظائف الغد ستكون في البرمجة والابتكار والتكنولوجيا”.

وأضافت فاتسيما، التي عملت أيضا معلمة وتدربت أخصائية في سلامة الطيران في مسيرتها المهنية، “مع تقدم الحياة على الإنترنت، تفتّحت أعيننا على أن الروبوتات والبرمجة مفيدتان للأطفال في المستقبل”.

وازدهر اقتصاد بوتسوانا بعد الاستقلال باكتشاف الماس تحت سطح الأرض، وهو مورد دفع إحدى أفقر دول العالم إلى شريحة الدخل المتوسط​​، وفقا للبنك الدولي.

Thumbnail

ولا يزال التعدين أكبر مصدر للدخل في هذه الدولة ذات الكثافة السكانية المنخفضة في جنوب أفريقيا، حيث يمثل أقل بقليل من 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

لكن في السنوات الأخيرة، بدأت الحكومة في الاستثمار في “اقتصاد قائم على المعرفة”، لا يعتمد على مورد محدود أو يمكن القضاء عليه بسهولة بسبب الوباء. وتعتمد على عقول مواطنيها الذين استفادوا من التعليم المجاني، كما يقول المسؤولون الحكوميون.

قال دوغلاس ليتشولاثيبي، وزير التعليم العالي والبحث والعلوم والتكنولوجيا “نحتاج إلى تنويع اقتصادنا… تحتاج الثورة الصناعية الرابعة إلى أناس في العالم الرقمي ومواردنا الطبيعية محدودة”.

ومع مستويات عالية من عدم المساواة، ومعدل بطالة يبلغ 24.5 في المئة وعدد سكان يزيد قليلا عن 2 مليون نسمة، تطلق بوتسوانا مبادرات من التعلم الإلكتروني إلى الأسواق عبر الإنترنت أثناء مواجهة تحديات التمويل في زمن كورونا.

وتعمل فاتسيما من مركز أطلق في 2014 لإنشاء جيل من الشركات الناشئة من خلال جمع رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا في منطقة صناعية واحدة.

وتروّج الصور على الإنترنت لهندسة معمارية أنيقة وطائرات دون طيار ومكوكات حديثة وركاب على الدراجات وألواح التزلج. لكن الوباء أوقف البناء، وبينما بدأت بعض المكاتب الآن بالامتلاء، تبقى بعضها فارغة وسط أنقاض البناء.

وقالت فاتسيما “يجب أن يحدث الكثير هنا، يجب أن يكون لدينا شباب يتجولون من غرفة إلى أخرى إذا أردنا أن يُنظر إلينا على أننا وادي السيليكون في أفريقيا”.

لكن المخترعين الشباب يقولون إن العثور على التمويل هو العقبة الرئيسية.

وصرّحت كيد ليفي، وهي شركة ناشئة محلية تخترع أشياء بسيطة يومية مع التركيز على العدالة الاجتماعية، بأنه كان عليها تمويل كل خطوة على الطريق.

 

حملة تنويع الاقتصاد من خلال الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا وريادة الأعمال لتقليل الاعتماد على استخراج الألماس
حملة تنويع الاقتصاد من خلال الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا وريادة الأعمال لتقليل الاعتماد على استخراج الألماس

 

وابتكرت مع اندلاع الوباء جهازا لفحص درجة الحرارة مزودا بميزة التعرف على الوجه، وموزعا معقما وماسحا ضوئيا لبطاقة الهوية، وكلها تهدف إلى إبطاء العدوى.

وفي الآونة الأخيرة، نجحت في تصميم حقيبة ظهر مزودة بلوحة شمسية مدمجة تُشحن أثناء ذهاب الطلاب إلى المدرسة، مما يسمح لهم بتوصيل الأجهزة أو مصادر الإضاءة في المنزل.

وقال مؤسسو الشركة إن لديها أيضا أداة تعقب مدمجة لتحديد مواقع الأطفال في البلدان التي ترتفع فيها معدلات الاختطاف. وقال المؤسس كيدوميتسي ليفي، البالغ من العمر 31 عاما “مثّل الوصول إلى التمويل تحديا. لقد استغرق الأمر شهورا لعقد اجتماعات مع الهيئات الحكومية. ثم رُفضنا، حيث قالوا إننا بحاجة إلى خطاب نوايا من شركة مهتمة بالعمل معنا ولكن ليس لدينا سوى نموذج أولي، فنحن نحتاج إلى تمويل للتسويق أولا”.

وقال الوزير ليتشولاثيبي “إن توزيع الأموال على رواد الأعمال في بلد يفتقر إلى الكهرباء الشاملة أو الطرق المناسبة، يتطلب خلق توازن”.

وأضاف “إذا وجدت أنك عالق وليس لديك بنزين، ثم رأيت شخصا يتضور جوعا، فلمن الأولوية؟ بطبيعة الحال، سأبدأ في إطعام شخص ما للبقاء على قيد الحياة ثم أعود إليك وأقول حسنا، الآن يمكنني المساعدة”.

ووسط كل هذا الحديث عن الأتمتة والابتكار والثورة الصناعية الرابعة، يخشى عمال المناجم من أن يتخلفوا عن الركب مع تغير الاقتصاد. وقال كيتسو فيري السكرتير التنفيذي لنقابة عمال المناجم في بوتسوانا “يكمن خوفنا في فقدان الوظائف الذي يلوح في الأفق. نريد من الحكومة أن تلتزم بإعادة تأهيل عمال المناجم… والتأكد من أن الثورة الصناعية الرابعة لا تؤثر سلبا على الأمن الوظيفي”.

توافق فاتسيما على أنه في حين أن التكنولوجيا هي المفتاح، إلا أنها تتبقّى مجرّد “عامل تمكين” يعتمد على السياسات والعمليات القوية للعمل.

وقال ليتشولاثيبي “لن يتخلف أحد عن الركب”. وأكّد أن الحكومة تمول تفكيرا جديدا وتدريبا رقميا في الفصول الدراسية لتعزيز “تغيير عقلية أن التكنولوجيا للجميع”.

وبدأت كاتلو نتويتسيل البالغة من العمر ثلاثة عشر عاما في تعلم تكنولوجيا الروبوتات في المدرسة، وحضرت أيضا ورش عمل فاتسيما في المركز.

وقالت “لقد تعلمت برمجة روبوتات وبناءها واستخدام البرمجيات لجعلها تتحرك… وغيّر هذا الطريقة التي فكرت بها بشأن مستقبلي. أدركت أنني يمكن أن أكون مهندسة أو طيارة أو سيدة أعمال تتحكم في حياتها، وأربح أموالي الخاصة وأوجد وظائف… إذا استخدمنا التكنولوجيا بالطريقة الصحيحة أعتقد أنه سيكون لدينا بلد يتمتع بمساواة أكبر”.

زر الذهاب إلى الأعلى